اول رئيس لمصر
محمد نجيب الذي يمكن وصفه بالرئيس المنسي، تحكي قصة مأساته
الحلم المصري في الحرية والحياة السياسية الديمقراطية، والتي انتهت فصولها قبل أن تبدأ،
وللمفارقة انتهت مع نهاية نجيب سياسيا.
في منطقة "ساقية معلا" بالخرطوم، ولد نجيب يوم
19 فبراير/شباط 1901، بحسب السجلات العسكرية، لكنه ينقل في مذكراته أنه حائر بين ثلاثة
تواريخ بسبب عدم الاهتمام بتسجيل المواليد في تلك المدة، وهي تواريخ: 28 يونيو/حزيران
1899، و19 فبراير/شباط 1901، و7 يوليو/تموز 1902.
عاد نجيب إلى مصر عام 1924 ليواصل شغفه العلمي بجانب عمله
العسكري، حيث حصل على إجازة الحقوق في مايو/أيار 1927، ثم دبلوم الدراسات العليا في
الاقتصاد السياسي عام 1929، ثم على دبلوم الدراسات العليا في القانون الخاص، ونال بعدها
شهادة أركان حرب عام 1939.
استقال من الجيش عقب حادث 4 فبراير/شباط 1942 عندما حاصرت
الدبابات البريطانية قصر الملك لإجباره على إعادة مصطفى النحاس باشا إلى رئاسة الوزراء،
وهو ما اعتبره نجيب تدخلا سافرا في شؤون مصر الداخلية، لكن الملك رفض الاستقالة. وفي
عام 1948 شارك في حرب فلسطين، وتعرض للإصابة مرات عدة.
أول رئيس للجمهورية
في 18 يوليو/تموز 1953 أعلن نجيب سقوط الملكية وقيام جمهورية
مصر العربية برئاسته، مع احتفاظه برئاسة مجلس قيادة الثورة، وحظي نجيب بشعبية واسعة
بين المصريين، خاصة مع تأكيده الدائم أن الجيش لن يحكم وأن الديمقراطية هي الحل الأمثل
لنهضة مصر والمصريين، ويبدو أن هذا التأكيد المتواصل كان بداية الأزمة مع عدد من الضباط
الأحرار الذين كان لهم رأي آخر.
في سبتمبر/أيلول 1952 أصبح نجيب رئيسا للوزراء مع الاحتفاظ
بوزارة الحربية، وتبع ذلك قرارات سياسية عدة مثل إلغاء دستور 1923، وتشكيل لجنة لصياغة
دستور جديد، وحل الأحزاب السياسية، وإصدار إعلان دستوري مؤقت استمر لثلاث سنوات لاحقة.
بعد الإعلان عن محاولة
اغتيال عبد الناصر يوم 26 أكتوبر/تشرين الأول 1954، واتهام جماعة الإخوان المسلمين
بتدبير الحادث، واتهام نجيب بالتعاطف مع الجماعة، ليقرر مجلس قيادة الثورة يوم 14 نوفمبر/تشرين
الثاني 1954 إقالة نجيب وتحديد إقامته، والإبقاء على منصب الرئاسة شاغرا حتى
"تحقق الثورة أهدافها"، ليصبح بعدها عبد الناصر رئيسا، وتطوى صفحة نجيب إلى
الأبد، وتطوى معها محاولة فتح صفحة للديمقراطية في مصر.
"في ذلك اليوم قال لي عبد الحكيم عامر إن إقامتك في فيلا زينب الوكيل
لن تزيد عن بضعة أيام، تعود بعدها إلى بيتك. ولكن من يوم دخلت هذه الفيلا وحتى أكتوبر/تشرين
الأول 1983 لم أتركها، حوالي 29 سنة، إنه الزمن يجبر الإنسان على الألفة والتعايش مع
ما يحب وما يكره، ومع ما يريده، حتى مع السجن والمعتقل، وقد كان بيننا أنا وتلك الفيلا
المهجورة ألفة وعشرة وارتباط، وكان بيننا أيضا إحساس مشترك بفقدان الحرية"، هكذا
يختصر نجيب في مذكراته رحلته من الحرية إلى السجن، وربما كان يختصر أيضا رحلة مصر إلى
المصير نفسه.
كنت رئيسا لمصر
المأساة الكبرى في قصة نجيب تمثلت في شطب اسمه من الوثائق
وكافة السجلات والكتب، ومنع ظهوره أو ظهور اسمه تماما طوال ثلاثين عاما حتى اعتقد الكثير
من المصريين أنه قد توفي.
وكان يذكر في الوثائق والكتب أن عبد الناصر هو "أول
رئيس لمصر"، واستمر هذا الأمر حتى أواخر الثمانينيات عندما عاد اسمه للظهور بعد
وفاته وأعيدت الأوسمة لأسرته، وأطلق اسمه على بعض المنشآت والشوارع، ومنها محطة مترو
وسط القاهرة، وفي عام 2013 منحت عائلته "قلادة النيل العظمى"
لكن تبقى مذكرات نجيب "كنت رئيسا لمصر" الشاهد
الأبرز على مرحلة التحول التاريخي لمصر، حيث ضمت المذكرات شهادته على هذه الأحداث وآراءه
الصادمة في الضباط الأحرار وجمال عبد الناصر تحديدا.
توفي اللواء محمد نجيب يوم 28 أغسطس/آب 1984 عن عمر يناهز
84 عاما بعد صراع مع المرض دام أكثر من 4 سنوات، وأمر الرئيس المخلوع حسني مبارك بتشيع
جنازته عسكريا من مسجد رابعة العدوية بالقاهرة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق